إحاطة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان لـمجلس الأمن الدولي

SRSG Perthes briefing the Security Council

11 ديسمبر 2021

إحاطة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان لـمجلس الأمن الدولي

السيد الرئيس، أعضاء مجلس الأمن المحترمين،

شكراً لإعطائي الفرصة لإطلاعكم مجدداً على الوضع في السودان.

خلال الأسابيع الستة الماضية، شهدت العملية الانتقالية السياسية في السودان أكبر أزمة حتى الآن، ولم تمرّ هذه الأزمة بعد، غير أنّ المناقشات حول سبل المضي قدماً قد بدأت.

أثار استيلاء الجيش على السلطة في 25 أكتوبر واعتقال رئيس الوزراء حمدوك وكبار المسؤولين والنشطاء السياسيين احتجاجات وإدانات على نطاق واسع. وقُتل ما لا يقل عن 44 شخصاً وأصيب المئات بجروح نتيجة استخدام قوات الأمن المفرط للقوة. وقد تسبّب ذلك بتعميق الأزمة وتحشيد ما يسمى بـ"الشارع" والذي يواصل تنظيم مظاهرات حاشدة بصورة منتظمة.

وإزاء هذه الخلفية، رحّبتُ بحذر باتفاق 21 نوفمبر السياسي بين رئيس الوزراء حمدوك والفرق أول البرهان - إتّفاق تمّ التوصل إليه بعد أسابيع من الجهود المحلية والدولية لإيجاد مخرج من الأزمة. والاتفاق أبعد ما يكون عن الكمال، لكن قد يساعد على تجنب إراقة المزيد من الدماء ويوفر خطوة نحو حوار شامل وعودة للنظام الدستوري.

يواجه الاتفاق معارضة ملحوظة من شريحة كبيرة من أصحاب المصلحة السودانيين، بما في ذلك الأحزاب والجمعيات في قوى الحرية والتغيير، ولجان المقاومة ومنظمات المجتمع المدني والمجموعات النسائية. لقد اجتمعت بهؤلاء وبغيرهم من أصحاب المصلحة. ويشعر الكثيرون بالخيانة بسبب الانقلاب ويرفضون الآن أي مفاوضات أو شراكة مع الجيش.

ولجان المقاومة، على وجه التحديد، عاقدةٌ العزم على مواصلة احتجاجاتها لاستعادة الثورة والدفع باتجاه الحكم المدني. وفي حين أنّ غالبية المتظاهرين العظمى سلميّة، فقد ظهرت مؤخراً مجموعات صغيرة تلجأ للعنف.

كشف الاستيلاء العسكري على السلطة انعدام الثقة بين المكونين العسكري، والمدني، وداخل العنصر المدني نفسه، وعمّقه. ولم يؤدِ اتفاق 21 نوفمبر إلى إعادة بناء الثقة المفقودة. وستختبر القرارات المزمعة بشأن تشكيل الحكومة والتعيينات رفيعة المستوى وإنشاء المؤسسات الانتقالية، إرادة أصحاب المصلحة وقدرتهم على السعي إلى طريقة مشتركة للخروج من الأزمة. في لقاءاتي الأخيرة مع الفريق أول البرهان ورئيس الوزراء حمدوك، قمتُ بحث كل منهما على إبطال القرارات الأحادية الجانب التي اتخذت في أعقاب الانقلاب المخالف للإعلان الدستوري، أو معالجتها بطرق تعيد بناء الثقة بين السودانيين. وهذا يشمل التعيينات أحادية الجانب من قبل القيادة العسكرية.

ينص اتفاق 21 نوفمبر، في جملة أمور أخرى، على صياغة إعلان سياسي من شأنه أن يؤدّي على الأرجح إلى تعديلات دستورية. ثمّة محاولات جارية داخل بعض الأحزاب والحركات السياسية وحولها للتوصل إلى اتفاق شامل. وثمّة قوى سياسية أخرى منفتحة للحوار ولكن ليس على أساس اتفاق 21 نوفمبر. وقد يؤدي الافتقار إلى الشمولية وتوافق الآراء إلى مزيد من الانقسام. وعلى نحو مماثل، في حين قد يكون التشكيل المقترح لمجلس وزراء من التكنوقراط خطوة نحو دفع العملية الانتقالية قدماً، قد يسبّب أيضاً تحدياً دستورياً في حال لم يستند إلى مشاورات مع قوى الحرية والتغيير. تتمّ مناقشة هذه القرارات وغيرها على خلفية حالة الطوارئ المستمرة والتي أعلنها الفريق أوّل البرهان في 25 أكتوبر.

أصحاب السعادة،

تتطلب معالجة هذه القضايا الجوهريّة وغيرها الحوار والتوافق في نهاية المطاف. لقد أوضحنا أنّ اليونيتامس مستعدّة لتسهيل حوار شامل لمعالجة القضايا العالقة في الفترة الانتقالية والتعامل مع مسائل دستورية أوسع كجزء من عملية صياغة الدستور. وقد أجريتُ مشاورات مكثفة لتحديد نطاق مشاركتنا وطرائقها.

يتعيّن على القادة العسكريين والسياسيين في السودان في المقام الأول إعادة بناء الثقة مع جماهيرهم المحلية، ولا سيما مع جيل الشباب. وسيكون من الأساسي لتحقيق ذلك اتّخاذ تدابير فوريّة لبناء الثقة والالتزام الواضح بإعادة البلاد إلى مسار التحول الديمقراطي. وعلى نحو مماثل، ينبغي على السلطات السودانية اتخاذ خطوات ملموسة لاستعادة دعم المجتمع الدولي المالي والاقتصادي والسياسي.

ويمكن قياس التقدم المحرز في هذا الصدد بناءً على عدد بسيط من المؤشرات القصيرة والمتوسطة المدى الواضحة والمقبولة بشكل عام.

في الأجل القريب، كان المؤشر الرئيسي الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين ووقف الاعتقالات التعسفية وضمان الحق في التظاهر والتجمع السلميَّين. وحتّى الآن تمّ الإفراج تقريباً عن جميع المدنيين الذين اعتقلوا منذ الانقلاب وهي خطوة مرحب بها. وبحسب ما يردنا، فتتواصل الاعتقالات التعسفية المؤقتة، لا سيما أثناء المظاهرات المستمرة.

وقد تعهّد القادة العسكريون والمدنيون بالتحقيق في استخدام العنف المميت ضد المتظاهرين. وعليه، سيُنظر إلى المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت منذ 25 أكتوبر على أنّها مؤشر حاسم للتقدم ويمكن أن تساعد في إعادة بناء الثقة.

ثمّة ثلاثة مؤشرات مهمة على المدى القصير وهي قدرة رئيس الوزراء على تشكيل حكومته التكنوقراطية بحرية وفقاً لبنود الوثيقة الدستورية ورفع حالة الطوارئ واستعادة حرية الصحافة.

خلال الأشهر القليلة المقبلة، سيكون المؤشر الرئيسي للعودة إلى مسار الانتقال الديمقراطي استعادة المساحة السياسية. هذا مهم بشكل خاص نظراً إلى الهدف المعلن من قبل القادة السياسيين والعسكريين لإجراء انتخابات حرة ونزيهة ربّما قبل الموعد المخطط له أصلاً. ينبغي على السلطات ضمان مناخ ملائم لإجراء انتخابات ذات مصداقية يمكن أن تدعمها الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الدولية الأخرى. وستشمل مؤشرات مثل هذا المناخ، تشكيل هيئة انتخابية مستقلة وقانون شامل للأحزاب السياسية وحرية الأحزاب والحركات السياسية في التنظيم والدعاية والتمتع بالوصول إلى وسائل الإعلام وضمان حقوق الإنسان.

إلى ذلك، أكدت الأحداث الأخيرة الافتقار إلى مؤسسات عدالة فاعلة والفجوة التي تخلّفها لناحية معالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومنعها. بالإضافة إلى ذلك، لم يتمّ بعد تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي الذي يضم 40 بالمئة من النساء، على النحو المنصوص عليه في الإعلان الدستوري.

كما وأستمرّ بمناشدة السلطات السودانية ضمان المشاركة الهادفة للمرأة في العملية السياسية، في الحكومة التي لم يتم تشكيلها بعد وفي جميع الجهود المبذولة لإنهاء الأزمة الحالية. وألتقي وفريقي بانتظام مع المجموعات النسائية من جميع أنحاء السودان لمعرفة مخاوفهنّ السياسية والأمنية، وهاته رسالتهنّ واضحة: لا يمكن التراجع عن المكاسب التي تحققت بشق الأنفس في مجال حقوق المرأة ويطالبن بدعم المجتمع الدولي في هذا الصدد.

وسنراقب، نحن اليونيتامس، عن كثب جميع هذه المؤشرات الهامة ونبلغ عنها.

أصحاب السعادة،

ما زال الوضع الأمني خارج الخرطوم هشاً. إنّني قلق للغاية لناحية تجدد النزاعات بين المجتمعات وأعمال اللصوصية المسلحة في دارفور والنيل الأزرق وكردفان. وردت إلى الأمم المتحدة تقارير عن ارتفاع كبير في قتل المدنيين وتدمير الممتلكات والتهجير، فضلاً عن العنف الجنسي ضد النساء والفتيات. في دارفور هذا العام، إزداد عدد النازحين ثمانية أضعاف عن العام الماضي. يؤكد استمرار انعدام الأمن في دارفور الحاجة إلى إعطاء الأولوية لحماية المدنيين والتنفيذ السريع لأحكام اتفاقية جوبا للسلام. ينبغي أن يتمّ تشكيل قوات حفظ الأمن المشتركة ونشرها وتفعيل الخطة الوطنية لحماية المدنيين من دون أي تأخير. وسيبقى الوضع في الشرق أيضاً غير مستقر إذا لم يتمّ إيجاد حلّ سياسي قريباً.

من المهمّ أن تضطلع السلطات السودانية بمسؤوليتها الأساسية لناحية حماية المدنيين عبر أراضيها بغض النظر عن الأزمة السياسية.

السيد الرئيس،

في أعقاب الانقلاب، أثّر قرار المانحين بوقف المساعدة الإنمائية الدولية بشكل كبير على سبل عيش الشعب السوداني ويهدّد بتقويض الإنجازات التي تحققت بشق الأنفس في العامين الماضيين. إنّ الأنشطة الإنسانية مستمرة على الرغم من تعطل بعض الخدمات الإنسانية التي يتمّ تقديمها عبر الآليات الحكومية على غرار الخدمات المتعلقة بالصحة. ما زال التأثير على أنشطة الأمم المتحدة الإنمائية كبيراً جداً ما يزيد من هشاشة الوضع والاحتياجات الإنسانية. من البرامج الرئيسية المتأثرة برنامج دعم الأسرة الذي كان من المتوقع أن يقدّم تحويلات نقدية لأكثر من 11 مليون سوداني من الفئات الضعيفة.

بالطبع ينبغي على السلطات السودانية أن تظهر التزامها بالعودة إلى نظام دستوري مُقنِع لاستعادة ثقة المجتمع الدولي لاستئناف المساعدة المالية الدولية.

ولكن في الوقت نفسه، أودّ أن أحثّكم والمجتمع الدولي الأوسع على اتباع نهج متوازن وعدم إيقاف المساعدات لفترة طويلة والنظر في الاستئناف السريع للتمويل في بعض المجالات، لا سيما دعم الخدمات الصحية وسبل العيش، من أجل ضمان عدم استمرار الشعب السوداني في تحمل وطأة الأزمة السياسية.

أصحاب السعادة،

أشكر المجلس على دعمه المستمرّ لليونيتامس التي تواصل الاضطلاع بتفويضها في سياق التحديات التي تواجه السودان. ما زالت المجالات الرئيسية لجهود البعثة ذات صلة، وفي بعض الحالات، تمّ التعجيل بها. بالإضافة إلى مضاعفة جهود مساعينا الحميدة، إكتسب عمل اليونيتامس في مجال حقوق الإنسان ودعم حماية المدنيين أهمية أكبر بعد في هذه الفترة المضطربة وسيتمّ تعزيزه. كانت آلية وقف إطلاق النار الدائم في دارفور، برئاسة اليونيتامس، نشطة طوال هذه الفترة بدعم كلّ من العنصر العسكري والجماعات المسلحة الموقّعة على اتفاقية جوبا للسلام.

كما تقف الأمم المتحدة في السودان على أهبة الاستعداد لدعم عملية دستورية وانتخابات ذات مصداقية وشاملة بمجرد الاتفاق على خارطة طريق لهذه العمليات. ستكون مهمّة تنظيم انتخابات في السودان معقدة وتتطلع الأمم المتحدة إلى التعاون مع الشركاء الدوليين. وأودّ أن أشدّد على أهمية استمرار الدعم للبعثة والتنفيذ الكامل لشبكتها الميدانية لتعزيز جهودنا عبر المناطق المتضررة من النزاع في البلد.

أصحاب السعادة،

لا يمكن التغاضي عن التزام الرجال والنساء السودانيين الذي لا يتزعزع بتحقيق حكم ديمقراطي بقيادة مدنية. لقد ضحوا كثيراً بغية تحقيق تطلعاتهم في الحرية والسلام والعدالة المكرسة في دولة ديمقراطية بقيادة مدنية. لقد كان تصميمهم وما زال على ما يبدو راسخاً.

وأودّ أن أغتنم هذه الفرصة لأكرر التزام اليونيتامس المستمر بدعم الشعب السوداني لتحقيق هذه التطلعات ولأشكر هذا المجلس على دعمه لمساعينا.

شكرا جزيلاً.