إحاطة لمجلس الأمن الممثل الخاص للأمين العام في السودان ورئيس يونيتامس السيد فولكر بيرتس
شكراً سيدي الرئيس، أعضاء مجلس الأمن،
شكراً لإتاحة الفرصة لي لتقديم إحاطة لكم مجدداً.
عندما قدمت لكم الإحاطة الأخيرة في 8 ديسمبر، كان المكون العسكري السوداني ومجموعة واسعة من الجهات المدنية قد وقعت للتّو على اتفاق إطاري سياسيّ. كانت تلك لحظة حاسمة دشّنت مرحلة جديدة من العملية السياسية تهدف للتوصّل إلى مرحلة انتقالية جديدة.
أمّا اليوم فقد اقتربنا من الحلّ أكثر من أي وقت مضى، على الرغم من استمرار التحديات. اسمحوا لي أن أن أحدّد بإيجاز ما وصلنا إليه حالياً:
في 9 يناير، بدأ الموقعون على الاتفاق الإطاري وبتيسير من الآلية الثلاثية للاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية والأمم المتحدة، مشاورات واسعة على شكل ورش عمل حول خمس قضايا خلافية: تفكيك النظام القديم؛ اتفاق جوبا للسلام؛ شرق السودان؛ العدالة الانتقالية؛ وإصلاح قطاع الأمن.
تسمية هذه المشاورات "ورش العمل" تسمية مغلوطة إلى حدّ ما. جمعت كلّ مشاورة من المشاورات المئات من الرجال والنساء السودانيين - جاء معظمهم من خارج العاصمة، وهم يمثلون طيفاً اجتماعياً ومهنياً وسياسياً واسعاً. حتّى إنّ بعض الذين كانوا قد رفضوا العملية السياسية علناً انضموا إلى هذه المؤتمرات أو ورش العمل. وبالتالي، خلقت كلّ ورشة عمل مساحةً للمناقشات العامة والشفافة بين المواطنين السودانيين من جميع مناحي الحياة، بما في ذلك الفئات المجتمعية التي غالباً ما تشعر بأن لا صوت لها.
وفي حين جاء تمثيل النساء السودانيات دون الالتزام بنسبة 40 بالمئة كحدّ أدنى، شاركت النساء بنشاط في المناقشات.
لقد برزت مجالات توافق عديدة: ففي ورشة العمل حول الشرق على سبيل المثال، برزت إنجازات مهمة مثل الاتفاق على منتدى يمهّد الطريق للمصالحة المستقبلية في تلك المنطقة.
وكان للمؤتمر القومي حول العدالة الانتقالية الذي يختتم أعماله اليوم، دور أساسي في تعزيز فهم مشترك للمساءلة والمصالحة.
يُعدّ إصلاح قطاع الأمن وإدماج القوات من بين العناصر الأكثر حساسية في العملية الحالية. يوم الخميس الماضي، وقّع القادة العسكريون والمدنيون على ورقة مشتركة حول مراحل إصلاح قطاع الأمن وجوهره. ويسمح هذا لنا – أي الآلية الثلاثية - بإطلاق ورشة العمل الأخيرة بحلول نهاية هذا الأسبوع. ستركّز الورشة على الخيارات الممكنة لإصلاح قطاع الأمن وإدماج قوات الدعم السريع والحركات المسلحة في جيش وطني محترف واحد. ويؤمَل أن تؤدّي إلى خارطة طريق أوّلية لتنفيذ هذه الخطوات في السنوات القادمة.
إنّ الأمور تتطوّر بسرعة. بالأمس، التقى الموقعون العسكريون والمدنيون مجدداً بالآلية الثلاثية والرباعي والاتحاد الأوروبي، لتأكيد التزامهم بالعملية والتحدث عن الخطوات التالية. وبناءً على تفاهمهم، دعينا – أي الآلية الثلاثية – إلى عقد اجتماع تحضيري في القصر الجمهوري، حيث اتفقت هذه الأطراف على بدء عملية صياغة اتفاق سياسي نهائي ودستور انتقالي. كما أنشأوا لجنة للتواصل مع الأحزاب والحركات غير الموقعة، ووضع جدول زمني. إنّ هدفهم هو التوصل إلى اتفاق سياسي نهائي والاتفاق على الدستور والبدء في تشكيل حكومة مدنية قبل منتصف أبريل. هذا جدول طموح، لكن يمكن تحقيقه إذا توفرت الإرادة السياسية اللازمة.
نحن – أي الآلية الثلاثية - متفائلون نظراً إلى ضآلة الاختلاف الجوهري بين الأطراف الفاعلة الرئيسية. ويشمل ذلك قادة حركتين مسلحتين رئيسيتين من أعضاء الحكومة الحالية العسكرية القيادة، غير أنّهم لم يوقعوا على الاتفاق الإطاري ولم يشاركوا كذلك في اجتماعات الأمس. خلافاتهم الرئيسية مع الموقعين ليست حول هياكل الانتقال أو الحكومة المقبلة، لكنّهم يرغبون في ضمان تمثيلهم فيها.
إنّ الانضمام إلى العملية والتعبير عن مطالبهم من خلال الاتفاق السياسي النهائي سيكون الطريقة الأفضل لضمان ذلك.
لقد كانت العملية سودانية بحق. ونحن، الأمم المتحدة وشركاؤنا في الآلية الثلاثية، نعمل بنشاط على تيسيرها وسنواصل القيام بذلك. أكد الفريق أول البرهان، رئيس مجلس السيادة، والفريق أول حميدتي، نائب الرئيس، مراراً وتكراراً على أنّهما يريدان وصول العملية لنهايتها وتسليم السلطة إلى حكومة مدنية. إنّ التزامهما وتعاون القادة العسكريين والمدنيين في الأسابيع الأخيرة للتوصل إلى حلّ، أمر جدير بالثناء.
وفي الوقت نفسه، نشعر بالقلق حيال تصاعد التوترات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الأسابيع الأخيرة. لقد ناشدتُ كلا الجانبين من أجل التهدئة العاجلة للتصعيد وشجّعني قرارهما بإنشاء لجنة أمنية مشتركة الأسبوع الماضي واتفاقهما على الجوانب الأساسية لإصلاح قطاع الأمن والإدماج.
يتعيّن على الأحزاب المدنية الآن الانتهاء بسرعة من المناقشات حول آليات اختيار رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة. إنّ الانخراط الشفاف مع الجمهور ومع الشباب في الشارع ومع من لم يشاركوا أو لم يدخلوا العملية بعد، لأمر ضروري لبناء الشرعية للحكومة المستقبلية.
السيدات والسادة،
الوقت عامل جوهريّ. إنّ حجم التحديات التي تواجه الشعب وأي حكومة جديدة هائل:
لقد بلغت الاحتياجات الإنسانية في السودان مستويات قياسية، حيث يحتاج 15.8 مليون شخص - قرابة ثلث السكان - إلى مساعدات إنسانية هذا العام. ما زالت أسعار المواد الغذائية المرتفعة وتزايد الجوع، مصدر قلق بالغ.
ما زالت النزاعات المحلية، ولا سيما في دارفور والنيل الأزرق وجنوب وغرب كردفان، بشكل أساسيّ حول الوصول إلى الموارد والسيطرة عليها، تؤدي إلى مقتل المدنيين وإصابتهم وتشريدهم. نزح أكثر من 16 ألف شخص بسبب الصراع بين ديسمبر العام الماضي وفبراير 2023.
في حادثة واحدة فقط في ديسمبر الماضي في بليل بجنوب دارفور، أدّت الاشتباكات بين المجتمعات المحلية إلى مقتل 15 شخصاً على الأقل وإصابة 47 آخرين وتشريد قرابة 13 ألف شخص. وقد نجحت التدخلات المتزايدة من قبل السلطات في تهدئة هذه المواقف والتوسط في وقف الأعمال العدائية. وفي كثير من الحالات، أجريت تحقيقات أيضاً، وهذا تطور مرحّب به. في الوقت نفسه، ما زال التأخير يصاحب نشر قوات حفظ الأمن المشتركة. نشعر بالقلق كذلك إزاء التقارير عن العنف الجنسي في سياق هذه النزاعات ويجب التحقيق في ذلك.
تواصل لجنة الوقف الدائم لإطلاق النار المراقبة. ومن المشجّع أنّه لم يتمّ الإبلاغ عن أي انتهاكات لوقف إطلاق النار منذ إحاطتي الأخيرة. وفي اجتماعي الأخير مع اللجنة العسكرية العليا المشتركة، كرّروا دعوتهم إلى مزيد من الدعم الدولي وإلى أن تواصل يونيتامس دورها كرئيسة للجان وقف إطلاق النار.
ما زال وصول المساعدات الإنسانية مصدر قلق بالغ، وكذلك العوائق البيروقراطية والإدارية التي تعيق العمليات الفعالة للأمم المتحدة وشركائنا من المنظمات غير الحكومية. وما زلنا في حوار مستمر مع السلطات لمعالجة هذه الشواغل، بما في ذلك إصدار التأشيرات لموظفي الأمم المتحدة. كلّما كانت الاستجابات بطيئة قلّ الدعم، وقلّ الدعم في الوقت المناسب، لشعب السودان. إلى ذلك، إنّنا نواصل حوارنا مع الحكومة حول تنفيذ الخطة الوطنية لحماية المدنيين.
لقد استمرت الاحتجاجات ضدّ الحكم العسكري وإن كانت بأعداد أدنى وبوتيرة أقل. وفي حين انخفض الاستخدام المفرط للقوة بمرور الوقت، قُتل متظاهر شاب برصاص ضابط شرطة في الخرطوم في 28 فبراير. كان الإجراء الفوري الذي اتخذته السلطات للتحقيق في وفاته ورفع الحصانة من الملاحقة القضائية عن الضابط أمراً واعداً. أحثّ السلطات على إحراز تقدم ملحوظ في التحقيقات في هذا الانتهاك وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم الجناة إلى العدالة.
كان قرار المحكمة الصادر في 6 مارس بتبرئة وإطلاق سراح ثمانية شبان متهمين بقتل ضابط مخابرات عسكرية العام الماضي موضع ترحيب نظراً لعدم وجود أدلة ضدهم. كما أرحب بالإفراج عن ثلاثمائة رجل احتُجزوا من دون توجيه اتهامات بناء على أوامر والي شمال دارفور ووالي غرب دارفور في عامي 2021 و2022. على السلطات احترام حقوق الإجراءات القانونية الواجبة للمحتجزين وإطلاق سراح أي شخص محتجز بشكل غير قانوني.
وتواصل الأمم المتحدة كذلك العمل مع السلطات والجماعات المسلحة لضمان إطلاق سراح الأطفال المرتبطين بالجماعات المسلحة. خلال الشهرين الماضيين، تم الإفراج عن 122 طفلاً (92 فتى و30 فتاة) في دارفور.
السيدات والسادة،
إنّ التحديات التي تواجه الحكومة المقبلة هائلة: معالجة الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية الملحة وضمان الأمن والعدالة واحترام حقوق الإنسان وصنع السلام ودفع عجلة التحول الديمقراطي، كلّها مطالب حاسمة للسودانيين.
تقوم الأمم المتحدة، مع شركاء دوليين، بالتنسيق والتخطيط المشترك للدعم الجماعي للمرحلة الانتقالية ما بعد الاتفاق ولأولويات الحكومة. لقد عقدنا بالفعل مناقشة أولية مع وكالات الأمم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية والجهات المانحة لدعم أولويات الحكومة المقبلة المتوقعة بعد الاتفاق.
أصحاب السعادة، السيدات والسادة،
اسمحوا لي ختاماً بتذكيرنا بالشوط الذي قطعه السودانيون: عندما قدّمت لكم الإحاطة العام الماضي في مثل هذا الوقت تقريباً، كانت الآلية الثلاثية قد بدأت للتوّ في عملية التنقل بين أصحاب المصلحة السودانيين. آنذاك، كانت الاحتجاجات تُنظم كلّ بضعة أيام ولم ترغب الجهات الفاعلة الرئيسية في تبادل الحديث، ناهيكم عن التفاوض.
أمّا اليوم، فقد اقترب أصحاب المصلحة السودانيون أكثر من أي وقت مضى من التسوية والعودة إلى حكومة مدنية. العملية ليست مثالية بلا شكّ ويتم انتقادها أحياناً بحجّة أنّها بطيئة للغاية، لكنّها نجحت في جعل مجموعة واسعة وشاملة بما فيه الكفاية من أصحاب المصلحة - لا سيما السلطات العسكرية وأحزاب المعارضة المدنية - على وشك الاتفاق.
وفيما يتخطى السودانيون هذه العقبة الأخيرة، تمسّ الحاجة إلى جهود جماعية من المجتمع الدولي الآن أكثر من أي وقت مضى. من الضروري دعم الحكومة المقبلة بالقدرة المطلوبة لمعالجة القضايا الرئيسية التي ظلت كامنة: معالجة الأسباب الجذرية للنزاع؛ تنفيذ الترتيبات الأمنية؛ إدخال تحسين كبير على حياة السودانيين نساءً ورجالاً والتحضير لانتخابات حرة ونزيهة. وسيلعب الدعم الموحد من قبل هذا المجلس دوراً حاسماً.
وشكراً.