اهداف العملية السياسية لاستعادة مسار التحول الديموقراطي في السودان
فولكر بيرتس
الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة
في الاسبوع الاول من يناير ٢٠٢٢، قمت بالنيابة عن الامين العام للامم المتحدة، بالاعلان عن اطلاق عملية سياسية سلمية تحت رعاية الامم المتحدة، تهدف الي انهاء الازمة السياسية التي تسبب فيها انقلاب ٢٥ اكتوبر، واستعادة التحول المدني الديموقراطي الي المسار المأمول الذي دشنته ثورة ديسمبر ٢٠١٨. لاحقا تطورت هذه العملية لتصبح تحت رعاية الألية الثلاثية باضافة الشركاء القاريين والاقليميين (الاتحاد الافريقي والايقاد)، وهو ما يعكس اهتمام العالم اجمع بان لا يتركوا السودانيين وحدهم في مسيرة تحقيق اهداف الحرية والسلام والعدالة، شعارات ثورتهم التي الهمت العالم.
منذ انطلاق هذه العملية، كانت هناك كثير من الشكوك والتساؤلات حولها، مما يدفعني لاقوم بتوضيح الاتي:
الغرض من هذه العملية السياسية هو تحقيق الاهداف والتطلعات التي يطالب بها الشارع السوداني منذ اليوم الاول بعد الانقلاب، وذلك عبر التوصل الي حلول مُتفق عليها وبضمانات ورعاية دولية، لتأسيس نظام انتقالي مستقر يعمل على تحقيق اهداف الثورة ويحافظ على المكتسبات التي تم تحقيقها خلال الفترة بين ٢٠١٩ وحتى ٢٠٢١ في المجالات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية من الضياع، ويسمح للسودان بالبدء في جني ثمارها. ومن اهم هذه الثمار هي عملية الاعفاء من الديون المتراكمة على السودان والتي يكاد يحين اجل الفصل فيها في يونيو الحالي.
هذه العملية السياسية هي في نفس سياق النضال السلمي غير العنيف. وهو المنهج الذي اعتنقته الثورة السودانية ونجحت عبره في الاطاحة بنظام المؤتمر الوطني وتأسيس الفترة الانتقالية لتقود الي تحول ديموقراطي راسخ في السودان. هذه العملية تهدف الي تقليل الخسائر الغالية في مسار السعي من اجل تحقيق هذا الهدف الي اقصى حد، ولكنها لا تُلغي حقوق السودانيين في التعبير عن اراءهم والنضال السياسي من اجل تحقيقها بأي وسائل اخرى، اذا فشلت في الوصول الي حل مجمع عليه ومُرضي للجميع.
العملية السياسية الحالية لا تهدف بأي شكل من الاشكال الي خدمة اهداف الافلات من العقاب او غض الطرف عن ما تم ارتكابه من جرائم وانتهاكات. ولقد عبرنا في اكثر من مرة عن غضبنا الشديد من استمرار عمليات اطلاق النار على المتظاهرين السلميين والانتهاكات المختلفة، وقمنا باثارة الموضوع مع السلطات والتي استجابت مؤخرا بالغاء حالة الطوارئ واطلاق سراح المعتقلين للسماح ببدء العملية السياسية. بل ان مواضيع العدالة والعدالة الانتقالية هي مواضيع مطروحة في اجندة العملية، وتم تناولها في التقرير الذي لخص مجريات المشاورات التي أجرتها يونيتامس. ان الامم المتحدة ليست محايدة على الاطلاق فيما يتعلق بقضايا حقوق الانسان والعدالة والمحاسبة وانهاء الانتهاكات. ولكن يبقى تنفيذ هذه الاهداف ذو طبيعة سودانية خالصة. وما يمكن ان تخدمه العملية السياسية الحالية هو الاتفاق على اجراءات انتقالية ومؤسسات حكم انتقالي تتولى تحقيق هذه المطالب والحرص على تحقيق العدالة والمصالحة الوطنية.
ان هذه العملية السياسية، لا يمكن ان تنجح في التوصل الي حل شامل ودائم ومُجمع عليه، ما لم تكن سودانية الملكية بالكامل، وشاملة للجميع وخصوصا النساء والشباب والفئات الاجتماعية المختلفة من الهامش والمركز. إن ما تطرحه الألية الثلاثية من مقترحات لهيكلة او تصميم او ترتيب او تنظيم العملية السياسية هي مساعدات تقنية محايدة لتيسيير عملية التوصل الي حلول، ويمكن للسودانيين الاختيار منها او اقتراح افكار عملية اخرى. اننا لن نسعى لمحاولة فرض اي شيء على السودانيين. كل الخيارات في هذه العملية السياسية هي على الطاولة ليختار من بينها السودانيون ما يناسبهم ويمكنهم الاتفاق عليه.
السودان مدين بالكثير للثوار ولشهداء الثورة، والذين لا يجب ان تذهب تضحياتهم سدى. ان هذه المرحلة التاريخية التي يمر بها السودان تدفعني الي ان ادعو الجميع الي النظر الي مرارات الماضي والعمل معا على تجاوزها من اجل بناء المستقبل. لا يجب ان نتيح الفرصة للمفسدين الذين يحاولون خدمة اهداف عودة النظام القديم، عبر اشعال العنف او الاستمرار في ارتكاب الانتهاكات او تبني المواقف المتعنتة. استمرار الوضع الحالي وزيادة الانتهاكات وعدم الاستقرار يمكن ان يودي الي ما هو اخطر في التمهيد لعودة النظام الذي خلعته ثورة الشعب السوداني.
ان القتل ينبغي ان يتوقف الان، التشريد والنزوح ينبغي ان يتوقفا، الفقر والمعاناة ينبغي ان ينتهيا، ولقد ان الاوان للسودانيين لينالوا حظهم من التنمية والديموقراطية والعدالة والسلام والاستقرار، ونحن في الامم المتحدة والمجتمع الدولي باسره على استعداد كامل للمساعدة في ذلك.